فصل: تفسير الآية رقم (28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (28):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)}
{ياأيها} {لأَزْوَاجِكَ} {الحياة}
(28)- بَعْدَ أَنْ نَصَرَ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأْحَزَابِ، وَعَلى بَني قُرَيْظَةَ، ظَنَّ أَزْوَاجُهُ أَنَّهُ اخْتَصَّ بِنَفَائِسِ اليَهُودِ، وَذَخَائِرِهِمْ، فَجِئْنَهُ يُطَالِبْنَهُ بالتَّوْسِعَةِ عَلَيهِنَّ، وَبِمُعَامَلَتِهِنَّ مُعَامَلَةَ نِسَاءِ المُلُوكِ، فآلمْنَ قَلْبَهُ الشَّرِيفَ بِمَطَالِبِهنَّ، فَأَمَرهُ اللهُ تَعَالى يِأَنْ يَتْلُو عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ عَليهِ بِشَأْنِهِنَّ.
وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَسْتَأْذِنَانِ عَليهِ فَلَمْ يَأذَنْ لَهُما، ثَمَّ أَذَنَ لَهُما، فَدَخَلا فَوَجَدا الرَّسُولَ جَالِساً وَحَولَهُ نِسَاؤُهُ وَهُمْ سُكُوتٌ. فَتَكَلَّمَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيتَ ابْنَةَ زَيدٍ (يَعِني زَوْجَةَ عُمَرَ) سَأَلَتني النَّفَقَةَ فَوَجَأْتُ عُنُقَها (أَيْ قَطَعْتُهُ) فَضَحِكَ الرَّسُولُ. وَقَالَ: هُنَّ حَولي يَسْأَلَنِني النَّفَقَة. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلى عَائِشَةَ لِيَضْرِبَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلى ابنَتِهِ حَفْصَةَ لِيَضْرِبَها، وَكُلَ مِنْهُما يقولُ: تَسْأَلانِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَه! فَنَهَاهُمَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَتَا: وَاللهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هذا المَجْلِسِ مَا لَيسَ عِنْدَهُ.
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى الخِيَارَ، فَبَدأَ رَسُولُ اللهِ بِعَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَها، فَقَالَ لَها: إِنِّ أَذْكُرُ لَكِ أَمْراً مَا أُحِلُّ أَنْ تَعْجَلِي فيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ وَمَا هُوَ؟ فَتَلا عَليها الآيَةَ: {ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ...} قَالَتْ عَائِشَةُ: أَفِيكَ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ الله وَرَسُولَهُ، وأَسْأَلُكَ أَلا تَذْكُرَ لامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِكَ مَا اخْتَرْتُ. فَقَالَ لَهَا الرَّسُولُ: إِن اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفاً، وَلكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً وَمُيَسِّراً، لا تَسَأَلُنِي امْرَأضةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِهِ إِلا أَخْبَرتُها ثُمَّ وَعَظَهُنَّ اللهُ بَعْدَ أَنْ اخْتَرْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وخَصَّهُنَّ بِأَحْكَامٍ.
وَمَعنَى الآيةِ الكَريمةِ: يَا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ اخْتَرْنَ لأَنْفُسِكُنَّ إِحْدَى خَلَّتَيْنِ:
- الأُولى: إِنْ كُنْتُنَّ تُحَبِبْنَ الحَيَاةَ الدُّنيا، وَزِينَتها، وَزُخْرُفَهَا، فَلَيْسَ لَكُنَّ مُقَامٌ عِندِي، إِذْ ليسَ عِندِي شَيءٌ مِنها، فَأَقْبِلَنَ إِلَيِّ أُعطِكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَى الرِّجَالِ لِلنِّساءِ مِنَ المُتَعَةِ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلاقِ.
- أَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ جَاءَتْ فِي الآيةِ التَّالِيَةِ.
أُمتّعْكُنَّ- أُعْطِكُنّ مُتْعَةَ الطَّلاقِ.
أَسَرِّحْكُنَّ- أُطَلِّقْكُنَّ.
سَرَاحاً جميلاً- طَلاقاً حَسَناً لا ضِرَارَ فيهِ.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
{الآخرة} {لِلْمُحْسِنَاتِ}
(29)- أَمَّا الخُطَّةُ الثَّانِيَةُ التِي أَمَر اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِعَرْضِها عَلَى أًزْواجِهِ فَهِيَ: إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ رِضَاءَ اللهِ، وَرِضَاءَ رَسُولِهِ، وَثَوابَ الدَّارِ الآخِرَةِ، وَيَرْضَيْنَ بِمَا هُنَّ عَليهِ مِنْ عَيْشٍ خَشِنٍ، فَعَلَيهِنَّ أَنْ يُطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ، لأَنَّ الله أَعَدَّ لِلمُحْسِنَاتِ مِنْهُنَّ فِي الأَفْعَالِ والأَقوالِ ثَوَاباً عَظِيماً تُسْتَحقَرُ الدُّنيا وَزِينَتُها وَزخْرُفُها بِالمقُارَنَةِ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (30):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{يانسآء} {بِفَاحِشَةٍ} {يُضَاعَفْ}
(30)- ثُمَّ وَعَظَ اللهُ تَعَالى نِسَاءَ النَّبِيِّ اللاتِي اخْتَرَنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَة، فَقَالَ لَهُنَّ: إِنَّ مَنْ تَرْتَكِبْ مِنْهُنَّ خَطَأً كَتُشُوزٍ أَوْ سُوءٍ خُلُقٍ (فَاحِشَةٍ مُبَيِيِّنَةٍ) فَإِنَّ عِقَابَها عَلَى خَطَئِها سَيَكُونُ مَضَاعَفاً عَنْ عِقابِ سِواها مِنَ النِسَاءِ نَظَراً لِمَنزلَتِها الرَّفِيعَةِ، وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَى اللهِ تَعَالى.
فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ- بِمَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ ظَاهِرَةِ القُبِحِ.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}
{صَالِحاً}
(31)- أَمَّ التِي تُطِيعُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَتَسْتَجِيبُ لَهُمَا فَإِنَّ اللهَ يُضَاعِفُ أَجْرَهَا مَرَّتينِ، وَقَدْ أَعَدَّ اللهُ لَها فِي الجَنَّةِ رِزْقاً كَرَيماً، لأَنَّها تَكُونُ فِي الجَنَّةِ فِي مَنازِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ- تُطِعْ أَوْ تَخْضَعْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ.

.تفسير الآية رقم (32):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
{يانسآء}
(32)- يَا نِسَاءَ النَبِيِّ لا يُشْبِهُكُنَّ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَلا تَلْحَقٌ وَاحِدةٌ مِنْهُنَّ بِكُنَّ فِي الفَضِيلَةِ وَالمَنْزِلَةِ، فَإِنِ اتَّقَيتُنَّ الله كَمَا أَمَرَكُنَّ فَلا تُخَاطِبْنَ الرِّجَالَ بِرِقَّةٍ تُطْمِعُ مًنْ فِي قَلْبه مَرَضٌ وَفَسَادٌ، وَرِيبَةٌ وفِسْقٌ، وَقُلْنَ قَوْلاً بَعيداً عَنِ الرِّيبَةِ، لا يَتْرُكُ لأَحَدٍ مَطْمعَاً فِيكُنَّ.
فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ- لا تُلِنَّ القَوْلَ وَلا تُرَقِّقنَهُ لِلرِّجَالِ.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
{الجاهلية} {الصلاة} {آتِينَ} {الزكاة}
(33)- وَالزَمْنَ بُيُوتَكُنَّ فَلا تَخْرُجْنَ لِغيرِ حَاجَةٍ.
وَفِي الحَدِيث: «إِن المَرأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذا خَرَجَت استَشْرَفَها الشَّيْطَانُ، وَأَقْربُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبَّها وهيَ فِي قَعْرِ بَيْتِها». أَخْرَجَهُ التِرْمِذِيُّ والبَزَّارُ.
وَلا تُبِجِيَنَّ زِينَتَكُنَّ وَمَحَاسِنَكُنَّ لِلرِّجَالِ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ، وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ عَلَى الوَجهِ الأَكْمَلِ، وأَدِّينَ الزَّكَاةَ عَنْ أَموَالِكُنَّ كَمَا أَمَرَ اللهُ، فَاللهُ تَعالى يُريدُ أَنْ يُطَهِّرَ أَهلَ بَيْتِ رَسُولِهِ تَطهيراً لا تُخَالِطُهُ شُبْهَةٌ مِنْ دَنَسِ الفِسْقِ والفُجُورِ، وأَنْ يُذْهِبَ عَنْهُم السُّوءَ والفَحْشَاءَ.
قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ- الزَمْنَ بُيُوتَكُنَّ.
لا تَبَرِّجْنَ- لا تُبْدِيَن الزِّينَةَ الوَاجِبِ سَتْرُها.
الجَاهِليةِ الأُولَى- مَا قبلَ الإِسْلامِ.
الرِّجْسَ- الذَّنْب أَوِ الإِثْمَ.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}
{آيَاتِ}
(34)- وَاذْكُرنَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيكُنَّ بأَنْ جَعَل بُيُوتَكُنَّ تُتْلَى فِيهَا آيَاتُ اللهِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَى الرَّسُولِ مِنْ أحكامِ الدِّينِ، واشْكُرْنَ رَبَّكُنَّ عَلَى جَميلِ فَضْلِهِ عَلَيْكُنَّ، فَإِنَّهُ كَانَ ذَا لُطْفٍ بِكُنَّ إِذْ جَعَلَكُنَّ فِي البُيُوتِ التي تُتْلَى فِيها آياتُ الله وَيُعْمَلُ فِيها بِسُنَّةِ رَسُولِهِ. وَكَان اللهُ خَبيراً بِكُنَّ إِذ اخْتَارَكُنَّ أَزْوَاجاً لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
الحِكْمَةِ- هَدْيِ النُّبُوَّةِ- أَوِ السُّنَّةِ أَوْ أَحكَامِ القُرآنِ.

.تفسير الآية رقم (35):

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)}
{المسلمات} {المؤمنات} {القانتات} {الصادقين} {الصادقات} {الصابرين} {الصابرات} {الخاشعين} {الخاشعات} {المتصدقين} {المتصدقات} {الصائمين} {الصائمات} {الحافظين} {الحافظات} {الذاكرين} {الذاكرات}
(35)- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النِّسَاءُ لِلنَّبٍي صلى الله عليه وسلم مَا لَهُ يَذْكُرُ المُؤْمِنينَ وَلا يَذْكُرُ المُؤْمِنَاتِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى هذِهِ الآيةَ.
وَقَدْ مَيَّزَ اللهُ تَعَالى بينَ الإِسلامِ وَالإِيمَانِ وَجَعَلَ الإِيمَانَ أَخَصَّ مِنَ الإِسْلامِ. وَقَالَ تَعَالى: {قَالتِ الأعرابُ آمَنَّا: قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِيْ قُلُوبِكُمْ.} وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَين: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَالزَّانِي حِينَ يَزْنِي تُنْتَزَعُ عَنْهُ صِفَةُ الإِيمَانِ، وَلِكنَّهُ لا يُعْتَبَرُ كَافِراً، وَلا تُنْتَزَعُ عَنْهُ صِفَةُ الإِسلامِ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمينَ.
وَفِي هذهِ الآيةِ يَذْكُرُ اللهُ تَعَالى الصِّفَاتِ التِي يَسْتَحِقُّ بِها عِبَادَهُ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، وَأَنْ يَمْحُو عَنْهُمْ زَلاتِهِمْ، وَيَثُيِبَهُمْ بالنّعِيمِ المُقِيمِ، وَهَذِهِ الأَوْصَافُ هِيََ:
- إِسْلامُ الظَّاهِرِ بالانْقِيَادِ لأَحْكَامِ الدِّينِ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ.
- إِسْلامُ البَاط (الإِيمَانُ) بِالتَّصْدِيقِ التَّامِ والإِذْغَانِ لِمَا فَرَضَ الدِّينُ مِنْ أَحْكَامٍ.
- القُنُوتُ وَهُوَ دَوَامُ العَمَلِ فِي هُدُوءٍ وَطُمَأْنِينَةٍ.
- الصِّدْقُ فِي الأَقْوَالِ والأَعْمَالِ وَهُوَ عَلامَةٌ عَلى الإِيمانِ كَمَا أَنَّ الكَذِبَ عَلامَةٌ عَلَى النِّفَاقِ.
- الصَّبْرُ عَلَى المَكَارِهِ وَتَحَمُّلِ المَشَاقِّ في أَدَاءِ العِبَادَاتِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ.
- الخُشُوعُ والتَّواضُعُ لله تَعَالى بِالقَلْبِ والجَوَارِحِ، ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَخَوْفَ عِقَابِهِ.
- التَّصَدُّقُ بِالمَالِ والإِحْسَانُ إٍلى المُحْتَاجِينَ الذِينَ لا كَسْبَ لَهُمْ.
- الصَّوْمُ فإِنَّهُ مُعِينٌ عَلَى كَسْرِ حِدَّةِ الشَّهْوَةِ.
وفي الحَدِيثِ: «الصَّوْمُ زَكَاةُ الدِّينِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}
{ضَلالاً}
(36)- رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ابْنَةَ عَمَّتِهِ (زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) لِمَولاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَأَبَتْ، وَقَالَتْ أَنا خَيْرٌ مِنْهُ حَسَباً، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيةَ: فَقَبِلَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْهُ، وَقَالَتْ سَمْعاً وَطَاعَةً.
وَفِي الحَدِيثِ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدَهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ».
وَكَانَ زَوَاجُ زَيْنَبَ مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لِحِكْمَةٍ إِذْ تَبِعَخُ رَدُّ الأُمُورِ إِلى نِصَابِها فِي أَمْرِ التَّبَنِّي. فَقَدْ كَانَتِ العَرَبُ تُعْطِي الوَلَدَ المُتَبَنَّي (الدَّعِيَّ) حُقُوقَ الابْنِ مِنَ النَّسَبِ، حَتَّى المِيراثَ، وَحُرْمَةَ النَّسَبِ. فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى مَحْوَ ذَلِكَ بالإِسْلامِ، حَتَّى المِيراثَ، وَحُرْمَةَ النَّسَبِ. فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى مَحْوَذَلِكَ بالإِسْلامِ، حَتَّى لا يُعْرَفَ إِلا النَّسبُ الصَّرِيحُ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} وَمَعْنَى الآيَةِ: لَيْسَ لِمُؤِمِن وَلا لِمُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ قَضَاءً، أَنْ يَتَخَيَّروا مِنْ أَمْرِهِمْ غيرَ مَا قَضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ لَهُمْ، وَلا أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ اللهِ وَأَمرَ رَسُولِهِ وَقَضَاءَهُما. وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَا بِهِ، وَنَهَيَا عَنْهُ، فَقَدْ جَارَ عَنِ السَّبِيلِ القَوِيمِ، وَسَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ الهُدَى وَالرَّشَادِ.
الخِيَرَةُ- الاخْتِيَارُ.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)}
{تَخْشَاهُ} {زَوَّجْنَاكَهَا} {أَزْوَاجِ} {أَدْعِيَآئِهِمْ}
(37)- كََانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ امْرَأَةً، فِي طَبْعِهَا حِدَّةٌ، وَلَمَّا نَزَلَتِ الآيةُ قَبِلَتْ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. وَلكِنَّ زَينَبَ لَمْ تُحْسِنْ عِشْرَتَهُ، فَكَانَتْ تَتَعَالى عَليهِ، وَكَانَ هُوَ دَائِمَ الشَّكْوى مِنْها إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَدْ أَلهَمَهُ اللهُ أَنهُ سَيتَزوَّجُ زَينبَ بَعدَ طَلاقِها مِنْ زيدٍ لإِبْطَالِ آثارِ التَّبَنِّي التِي كَانَتْ سَائِدَةً بَيْنَ العَرَبِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ زَيداً، وَكَانَ زَيْدٌ يُقَالُ لَهُ (الحِبُّ- أو حِبُّ رَسُولِ اللهِ).
وَلَمَّا تَكَرَّرَتْ شَكْوى زَيدٍ مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ زَيْنَبَ لَهُ أَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيةَ الكَريمةَ، وَفِيها يَقُولُ اللهُ تَعالى لرَسُولِهِ الكَرِيمِ: اذْكُر يَا مُحَمَّدُ حِينَ قَوْلِكَ لِمَولاكَ زَيدٍ الذِي أَنْعَمَ اللهُ عَليهِ بالإِيمَانِ، وَبِمُتَابِعَةِ رَسُولِ اللهِ، وَبِجَعْلِهِ رَبيباً لِرَسُولِ اللهِ، وَأَنْعَمْتَ أَنْتَ عَليهِ بالعِتْقِ، وَبِحُسْنِ التَّربيةِ: أَمْسِكْ عَليكَ زَوْجَكَ زَيْنَبَ، واتقِ الله فِي أمرِها، وَلا تُطَلِّقْهَا ضِرَاراً وَتَعَلُّلاً بِتَكَبُّرِها وَشُمُوخِها بأَنْفِها عَلَيكَ، لأَنَّ الطَّلاقَ يَشِينُهَا. وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الطَلاقَ سَيَقَعُ، وأَنَّكَ سَتَتَزَوَّجُها لِتَكُونَ قُدْوَةً وأُسْوَةً للمؤمنينَ، وإنما غَلَبَكَ مِنْ ذَلكَ الحَيَاءُ وَأَن يُقَالَ تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ مُطَلَّقَةَ مُتَبَنّاهُ. فَأَنْتَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ مِنَ الحُكْمِ الذِي أَلْهَمَكَ، وَتَخَافُ مِنْ تَقَوُّلِ النَّاسِ وَاعْتِراضِهِمْ، واللهُ الذِي أَمَرَكَ بِهذا أَحَقُّ بِأَنْ تَخْشَاهُ، فَكَانَ عَليكَ أَنْ تَمْضِيَ فِي الأَمرِ قُدُماً لِتُقَرِّرَ شَرْعَ اللهِ.
فَلَمَّا خَالَطَها زَيدُ، وَقَضَى حَاجَتهُ مِنْها، وَمَلَّهَا ثُمَّ طَلَّقَها، جَعَلْنَاهَا زَوْجَةً لَكَ لِيَرْتَفِعَ الحَرَجُ عَنِ المُسْلِمينَ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا نِسَاءً كُنَّ مِنْ قَبْلُ، أَزْوَاجاً لأدْعِيَائِهِمْ. وَكَانَ مَا قَضَى اللهُ مِنْ قَضَاءٍ كَائِناً لا مَحَالَةَ، فَقَدْ قَدذَرَ اللهُ أَنْ تَكُونَ زَيْنَبُ زَوْجَةً لَكَ، وَسَنْفُذُ ذَلِكَ.
وَطَراً- حَاجَتَهُ المُهِمَّةَ- كِنَايَةً عَنِ الطَّلاقِ بَعْدَ التَّمَاسِ.
حَرَجُ- ضِيقٌ أَوْ إِثْمٌ.
أَدْعِيَائِهِمْ- الأَوْلادِ المُتَبَنَّيْنَ.